-A +A
سلطان بن راشد
لم تكن «أم أحمد» أختاً كبقية الأخوات! الأخت والأب والمعلمة والمرشدة والمدرسة لطفل نشأ يتيم الأب حتى غدا رجلاً، وظهر الشيب في عارضيه وهو يُقر بأنه حسنة من حسناتها رحمها الله وغفر لها.. هل يصح أن نقول عنها «وترجل الفارس»؟!.. ترجل ومكانه قلوبنا.. ترجل وتبعته أرواحنا.. الاتصالات والتعزيات وصلت داخل السعودية.

أما حياتها فعجيبة.. كانت ترجمة لمعانٍ كثيرة قرأتها في الكتب وسمعتها من المشايخ، فكانت ترجمة لها وواقعاً مشرفاً.. إن جئت للرحم فلها قصب السبق تتفقد الكبير والصغير البعيد والقريب.. المرضى هي أول من يزورهم.. المحتاجون تتفقدهم قبل السؤال.. الحزين تسعى في إسعاده.. والمجروح تطيب جراحه.. أهلكت نفسها بتربية أبنائها ورعاية إخوانها وأحبابها.. تعبت من الفرقة وتباعد الديار، وبذلت كل شيء لترى إخوانها وأحبابها.. وتحملت الصعاب والويلات والمصائب.. كانت جبلاً أشم منيفاً في وجه العاديات.. وفوق ذلك كله لساناً ذاكراً وقلبا شاكراً، وكان القوي منا من يأتي قريباً منها.


عن مرض موتها، فلا تسأل عن صبر المحتسبة، وقناعة الحامدة الشاكرة الراضية، كلما اشتد عليها المرض وغلبتها غيبوبتها ثم أفاقت سألتنا: أحضرت الصلاة؟ هل صلى المسلمون؟ حتى بدت تذوب بين أيدينا وتفقد شيئاً من حواسها.. وأثناء رحلة علاجها في أمريكا بكت يوماً كاملاً لأن الأطباء منعوها من التيمم بسبب «كورونا».

يوم وفاتها كان يوماً مشهوداً وجنازة سنية على طريقة الأولين «بيننا وبينكم يوم الجنائز»، صُلي عليها ثلاث مرات، ومن غسلها قال: «لقد رأيت نوراً في وجهها لم أره من قبل، وبياضاً لافتاً، وابتسامه جميلة، وكانت كالنائم في نومة هنية سعيدة».

أما أنا فلا تسألوا عن صبر وتجلد من فقد الأم والأخت والأب والمعلمة والموجهة.. الحبيبة الشقيقة الكبرى، كانت تقرأ كلام عينيَّ، وتعرف ماذا أريد قبل أن أتكلم، وإذا صعب عليها ذلك لا تنام الليل ولا تزال بي حتى تعرف وتسري عن قلبي وروحي.. أراها مع الجميع تتابع هذا وتسأل عن الغائب والمريض، إن استطاعت زيارته زارته والا دعت له وتصدقت عنه.

أتحدث بإيجاز عن الدروس التي استفدتها منها؛ الأول: الدنيا غرارة لا تستقر على حال تفقّدوا أحبابكم قبل أن تفقِدوهم، الثاني: إياكم وقطيعة الرحم وإن قاطعوا بلا بسبب أو بغير سبب، الثالث: العمل الصالح هو الكنز وهو الذي نغفل عنه.

اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.. رحمها الله وغفر لها وتجاوز عنا وعنها، وجمعنا بها وبكم وبمن تحبون في الفردوس الأعلى من الجنة.